يقولون من الحب
ما قتل ونقول من الحب ما عمر قلاعا وقصورا، قصة حب غريبة بدأت بالبناء وانتهت
بالركوع، قصة حب من طرف واحد كانت سببا وراء وجود قصر موسى على أرض الواقع اليوم،
رأت أحداث القصة النور عندما كان موسى يبلغ العاشرة من عمره، فقد دقت نواقيس قلبه
معلنة عن حب طفولي بريء ممزوج بمشاعر صادقة تأبى أن تخضع للواقع المرير الذي يعيشه
موسى، موسى الذي لم يكن إلا شخص ينتمي لعائلة من الطبقة الدنيا في المجتمع ولكن
يحمل في باطنه رغبة جامحة ليمتلك قصرا ، في تلك الفترة أغرم موسى في إحدى زميلات الدراسة، ولكن للأسف لم تكن
زميلته تبادله المشاعر ذاتها بل كانت تسخر منه في كل مرة كان يحاول فيها التقرب
منها، كيف لا وهي تلك الثرية التي لطالما رأت نفسها أعلى من كل الناس والآخرين
ليسوا إلا أفرادا سخروا لخدمتها. يقول موسى : أن إصراره لبناء القصر لم يكن سوى
ردة فعله على كلمة قالها معلمه وقالتها حبيبته، فقد أخبروه عندما كشف عن رغبته في
بناء قصر بأنه ليس أهلا ليفعل ذلك، فمستواه المعيشي سيحول دونه ودون تفكيره ومن
الأفضل أن لا يفكر مجرد التفكير ليخطو خطوه كهذه.
بدأ موسى من
حينها التحدي الأكبر فأصبح القصر مشروع حياته، فبنى قلعته حجرا حجرا لذلك سميت
باسمه وأصبحت معلما تاريخيا يقصده السياح من كل أنحاء العالم العربي، يضم قصر موسى
أربعة طوابق، في الطابق الأول تماثيل وشخصيات من التراث اللبناني ورجال دين من
الطوائف اللبنانية كافة، وفي الطابق الثاني تجد صف مدرسة موسى حيث أستاذه الذي يؤنبه
في كل مرة يشرد فيها عن درسه ليحلم بقصره ، يقول موسى عندما سئل بشأن سبب تخصيص
الطابق الثاني بأكمله ليكون كفصله الدراسي : في يوم من الأيام كان المدرس يشرح
الدرس كالعادة فوقع نظره علي عندما لاحظ انشغالي بالرسم جاء غاضبا وسألني عن سبب انشغالي
فأجبت : أرسم قصري يا أستاذ، أجاب المدرس: ترسم قصرك يا "شحاذ" ومن أين
لك به وأنت فقير ووالدك أفقر.
كلمات بسيطة في
تركيبها ولكنها تحمل بين طياتها معان قاسية تسببت في جرح عميق بقلب موسى فتحول الألم إلى إصرار وتحول الحلم
إلى قصر يبهر كل من يكون بين أركانه وثناياه.
واستطاع موسى كذلك أن يعكس في قصره عادات
اللبنانيين القديمة وأزيائهم الفولكلورية إلى جانب الجلسة العربية التي ترافقها
قهوتها وأغانيها التي كانت تملأ معظم جلساتهم، بالإضافة إلى ذلك تمكن من أن يعكس كيف
كانت لبنان ارض الحضارات ،فهي شهدت على أرضها عصور مختلفة والدليل هو معمل الأسلحة
الذي يضم ثمانية عشر ألف سلاح تعود إلى عصور العثمانيين حتى الاحتلال الفرنسي للبنان وتعد هذه المجموعة من
أكبر المجموعات بالشرق الأوسط.
تساؤلات كثيرة
وجهت لموسى عن سبب حجم بوابة القصر وغرابة شكلها فأجاب انه كان مصرا على إركاع
حبيبته كما أركعته عندما كان صغيرا، فعندما علم بأنها ستزوره من نيويورك أغلق
الباب الكبير الذي يصل مستواه لمستوى طول الإنسان العادي وأنشأ بابا آخر صغير يجبر
كل من يحاول الدخول منه أن يركع ويثني جسمه، اعتقد انه بذلك سيرضي ذاته إلا انه
صرح بأن ردة فعله في تلك الأثناء كانت
صعبه فالدموع شقت طريقها من عينيه وهي بالمثل تأثرت بما رأت. والجدير بالذكر أن قصر موسى بدا بناءه وتجهيزه عام 1945 ولا يزال
موسى يعمل به حتى اليوم أي ستة وستون عاما من العمل وكل ذلك جراء حب من طرف
واحد.
ختم موسى كلامه
بالرد على السؤال عن سبب عدم تحويل قصره من مجرد تراث لبناني إلى مشروع ربحي فأجاب
بان قصد بناءه لهذا القصر لم يكن إلا تحديا وإصرار والتمسك به ليكون مجرد تراث ليس
إلا تحديا آخر يسعى من خلاله ليخبر العالم عن هوية لبنان الحقيقية.
انتهت الزيارة
بمرورنا على إحدى ممرات القلعة التي بها سطر موسى
كلماته في لوحة تقول : "علمتني الحياة أن هذا العالم لن يتوقف عن استمراره بعد
موتي كما أن الأرض لن تحجم عن دورانها والشمس لن تكف عن شروقها وغروبها "؟.